Saturday 23 February 2013

حول أن تقتل مصدراً للمعرفة..



في السنوات الأخيرة من عقد التسعينات بدأت علاقتي مع عالم الأفلام. قبل تلك السنوات، كنت أشاهد الأفلام بشكلٍ متقطع. كما لم أكن متابعاً لأخبار السينما أو مهتماً بالتوجهات الجديدة لمخرجيها وكتابها.

في تلك الفترة أيضاً بدأت أبحث عن مصدر يمكن الاعتماد عليه لمعرفة ما الذي يتوجب عليّ مشاهدته. كنت أحاول أن أصنع لنفسي ثقافة سينمائية تمكنني من أن أحكم على الأفلام الجيدة وأميزها عن الرديئة.

كانت المشكلة التي واجهتني أن الكتابات السائدة عن الأفلام بدت لي شديدة التقعر، كما أنها بدت مرهونة بحسابات شخصية، ولا تقدم محتوى معلوماتي يفيد المستجدين على الدخول الى عالم السينما. حينها قادني البحث المكثف عن مصدر للمعلومات السينمائية الى موقع على الانترنت اسمه "موفيز فور أراب" Movies4arab، كان يشرف عليه شاب سعودي.

كان الموقع مهتماً باستعراض معلومات عن أحدث الأفلام الأمريكية، وتقديم عروض نقدية مبسطة عن الأفلام الأمريكية الشهيرة والكلاسيكية المتاحة للشراء أو الاستئجار في السوق السعودي. تطور الموقع بعد ذلك الى استعراض أفلام لم تكن متوفرة في الأسواق الخليجية، ثم تمدد في اهتماماته ليتناول أفلاماً يابانية وصينية وأوروبية.

لاحقاً تم إنشاء منتدى لمرتادي الموقع وبدأت مواهب نقدية في التفجر. مقالات طويلة وشديدة العمق عن مسيرة مخرجين عظام مثل مارتن سكورسيزي وأكيرا كورساوا وكارلوس ساورا. استعراض لأهم أفلام السينما العالمية، وترجمات محترفة لمقالات النقد السينمائي المنشورة في الصحافة الأمريكية. مبادرات جماعية للكتابة عن أفلام أحد أساطين الإخراج والتعمق في مدرسته السينمائية. وسواء في الموقع أم المنتدى، بدا الشاب السعودي المشرف على هذه التجربة شديد الأدب والثقافة والتواضع.

في السنة الثانية من الألفية الثانية بدأت علاقتي بالسينما تتحول الى الاحتراف. كنت مشرفاً على صفحة سينمائية يومية، ومعداً ومخرجاً لبرنامج إذاعي أسبوعي عن السينما. استمرت حرفة النقد السينمائي تلازمني كمحترف لخمس سنوات بعدها. صرت بعد ذلك هاوياً. أمارس النقد كلما تيسر لي ذلك أو في فقرة سينمائية أسبوعية كنت أقدمها على مدى عامين، قبل أن أحصل على ترقية وأحرم من هذه المتعة.

وخلال كل ما كتبته للصحافة أو أنتجته وأخرجته للإذاعة والتلفزيون في مجال النقد السينمائي، كنت أشعر أنني مدين لهذا الموقع السينمائي بأنه عرفني على عالم السينما بهذه الطريقة الجذابة والسلسة. مدين له بأنه أتاح لي ولكثير من الشباب أن يكتب في السينما وأن يتفاعل مع ما يشاهده من تجارب سينمائية متنوعة. ومدين له بأنه صقل ذائقتنا السينمائية، ونقلنا من مشاهدة الأفلام الأمريكية التجارية الى مشاهدة الأفلام الأمريكية المستقلة وكلاسيكيات السينما العالمية.

في منتصف العقد الأول من الألفية، فوجئ رواد الموقع والمنتدى بخبر مقتضب منشور على الصفحة الرئيسية. "البقاء لله، توفيّ مؤسس وصاحب الموقع". بعد عدة أيام من إظهار الحزن على رحيل هذا الشاب المثقف، قررت أسرته أن تغلق الموقع والمنتدى "كي لا يعذب المرحوم بإذن الله في قبره بسبب الذنوب المترتبة على مشاهدة الأفلام". والمدهش أن الجميع رحب بالقرار!

وبإغلاق الموقع، ضاعت جهود المئات من الشباب على مدى سنوات في تطوير المحتوى المعلوماتي العربي الخاص بالسينما على الانترنت. كما ضاعت الى الأبد مقالات شديدة العمق عن الأفلام والسينما والمخرجين ومدارسهم. لكن الأهم من ذلك أنه تأكد لي أن المبادرات الثقافية العربية مرتبطة بأصحابها، فإن ماتوا، ماتت معهم، وإن "تابوا"، "تابت" معهم!

1 comment: