Sunday 25 November 2012

جمهورية المماليك تنتظر مذبحة

الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي 
ما الذي حدث؟

الذي حدث أن رئيساً منتخباً قرر ذات مساء أن يمنح نفسه سلطات مطلقة لم تتوفر لأي رئيسٍ من قبل في بلاده. بل أن سلطاته لا يمكن مقارنتها سوى بمؤسس الدولة المصرية الحديثة محمد علي باشا..

وفي الوقت الذي هلل فيه أنصاره وكبروا لما فعله ابن جماعتهم، فإن خصومه السياسيين نزلوا إلى الشوارع للمرة الأولى منذ أحداث ثورة يناير ٢٠١١.

وهنا لابد من التوقف عند مجموعة من المشاهد التي تعتبر مدخلاً لفهم ما حدث:

١. مشهد حرق مقرات الحزب الحاكم، "حزب الحرية والعدالة"، في عدد من المحافظات، وذلك في تكرر لمشهد مقرات الحزب الوطني الديمقراطي، الحزب الحاكم سابقاً.

٢. إصدار الأوامر لقوات الأمن بالتدخل ومواجهة المتظاهرين، وعدم التحرك من قبل الرئيس للتدخل من أجل إيقاف أحداث محمد محمود الثانية، رغم ارتفاع عدد المصابين.

٣. توقيت إصدار القرارات والذي جاء بعد الحفاوة الأمريكية والغزاوية بإنجاز الرئيس في التوسط لهدنة بين إسرائيل وحماس.

الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي 
٤. خطاب الرئيس الذي استخدم فيه تعابير "قاسية" وكان جمهوره من التيار الذي ينتمي إليه، وبدا فيه زعيماً عشائرياً أكثر من كونه رئيس دولة يخاطب الأمة.

٥. الخطاب الإعلامي الرسمي الذي استلهم أسوأ ما في تجربته خلال ثورة يناير، وأعاد إنتاجها.

٦. غياب أي أفق للحل سواء من الرئيس أو من خصومه السياسيين، وانحسار الحل في طرح إخواني يتمثل في أن تذهب القوى السياسية للرئيس من أجل الحصول على ضمانات، أو طرح من خصوم الرئيس يتمثل في تخيير مرسي بين التنازل عن إعلانه الدستوري أو منصبه.

لابد أيضاً من التوقف عند مواقف الأطراف الرئيسية المعنية بالأزمة:

١. موقف الجيش

هو الموقف الأكثر غموضاً. فالرئيس المنتخب محمد مرسي ساند الجيش في "حقوقه السيادية" عندما خاض معركة القرصاية. كما أن فوض صلاحيات التعبئة العامة لوزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة. ولكن لا يعني سكوت الجيش عن إعلان مرسي الدستوري قبوله الدائم به. فمكانة مبارك لدى الجيش كانت أكبر من مكانة مرسي عشرة أضعاف، وبالرغم من ذلك فإن الرجل تم عزله وخلعه خلال أيام عندما بدا أن الدولة التي يعتبر الجيش نفسه وصياً عليها، بحكم ظروف تأسيسها وطبيعة تحدياتها الأمنية، يمكن أن تسقط.

هل يتدخل الجيش إذن؟ لا يمكن استبعاد ذلك في حال اتسعت دائرة المصادمات بين أنصار الرئيس وخصومه في الشارع.

لكن تدخل الجيش لن يكون مؤشراً جيداً على قدرة المصريين على صنع مسار للتحول الديمقراطي خاص بهم. أي أن الساعة ستعود إلى الوراء ستين عاماً.

٢. موقف جماعة الإخوان

تنظر جماعة الإخوان إلى هذه المعركة باعتبارها معركة حياة أو موت سياسي. ويبدو من خلال تحركات أعضائها في مختلف الدوائر، أنها حشدت كامل طاقتها من أجل المضي قدماً في دعم إعلان الرئيس الدستوري وإعادة البرلمان الذي تسيطر عليه إلى الحياة، خصوصاً وأنها غير متأكدة من أنها يمكن أن تفوز بنفس عدد المقاعد في أي انتخابات نيابية قادمة.

والمشكلة التي تواجه خصوم الرئيس، أن هذه الجماعة، على عكس الحزب الوطني الديمقراطي، لن تختفي من على وجه الأرض في حال قوبلت بغضب شعبي عارم. فأنصارها سوف يقاتلون حتى النفس الأخير. هم في النهاية مؤدلجون وليسوا مجموعة انتهازية، مثلما كان حاصلاً مع أعضاء الحزب الوطني.

لكن على الجماعة أن تعي أن أي اصطدام واسع بين أنصارها وبين خصومها في الشارع، سوف يؤدي إلى خسائر فادحة في أوساط الجماعة وقد تصل إلى مرحلة الانشقاقات التي تهدد وحدة صفها.

الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي 
٣. موقف الولايات المتحدة

أبدت امتعاضاً خفيفاً وموافقةً ضمنية! موقف يتسق مع موافقة مرسي على الدخول في الفلك الأمريكي من الباب الواسع. فهو وافق من خلال الهدنة الأخيرة بين حماس وإسرائيل أن يلعب دور شرطي غزة. وهو وافق أيضاً على شروط صندوق النقد الدولي وأهمها رفع الدعم عن الطاقة، وهو ما سيؤدي إلى اضطرابات شعبية واسعة، لن تصلح معها سوى سلطات الرئيس الجديدة المطلقة.

٤. موقف خصوم مرسي السياسيين

هو الموقف الأضعف من بين كل مواقف الأطراف الأخرى. فالقوى السياسية لا تبدو أنها قادرة على حشد أنصارها في الشارع بنفس كفاءة جماعة الإخوان. كما أن التنسيق بينها يبدو غائباً وهو ما يتضح من خلال تشكيلتها الأقرب إلى طبق السلطة غير المتجانس.

٥. موقف الرئيس

إن تراجع، فإن ذلك يعني القضاء على هيبته السياسية لما تبقى من سنوات حكمه. وقد يؤدي هذا إلى صعود تيار متشدد داخل جماعته، يزايد عليه، أو إلى إصابة مفهوم الدولة بضرر عميق، قد يصعب إصلاحه لاحقاً. وإن لم يتراجع، فإن السيناريوهات المطروحة قاتمة. لن تصل إلى مرحلة الحرب الأهلية الشاملة، لكن لن تقف عند حدود الاصطدامات المحدودة.

ولابد أن الرئيس يعي أنه إن فشل في احتواء هذه الأزمة، فإن أطرافاً أخرى في الدولة مستعدة، وربما "متشوقة" للتدخل وحسم الأمور لصالحها.

الصورة من المجموعة الخاصة بأحمد زكي 
الألماني الذي تمصر!

يحكى أن خبيراً ألمانياً في شركة عريقة للسيارات أتى إلى مصر من أجل مهمة عمل تستغرق سبعة أشهر. كان هذا الخبير يمتلك سيارة فارهة بسائق في بلاده وذلك لأنه لم يكن يحب قيادة السيارات، كما أنه لم يتعلم قيادتها أصلاً.

بعد شهر من الإقامة في مصر، أصيب صاحبنا الألماني بالضجر وطلب من صديقه المصري أن يدربه على القيادة. بعد أربعة أسابيع من التدريب، أصبح الرجل "جن سواقة"، قادراً على خوض أعقد المشاوير من شبرا إلى مدينة نصر بكفاءة مصرية خالصة.

بعد أن انتهت مهمته، عاد إلى ألمانيا. بعد شهرين صدم بسيارته سيدة وقتلها. شكراً.

Friday 16 November 2012

غزة: ثلاثة أسئلة لا يريد المصريون أن يجيبوا عليها



تبدو علاقة المصريين بغزة، علاقة شديدة التعقيد. فقسمٌ منهم يعتبر غزة امتداداً طبيعياً لمصر وخطاً أول للدفاع عن أمن البلاد القومي. بينما قسمٌ آخر يحمل هذه القطعة الصغيرة من الأرض مسؤولية كل ما حل بمصر من مصائب منذ أن قبلت الوصاية عليها إدارياً في أعقاب حرب ١٩٤٨.

ولا يبدو أن هناك من يستطيع أن يجعل المصريين يتوحدون على قلب رجلٍ واحد فيما يتعلق بغزة. فأي قرار بتقديم المساعدات الإنسانية لأهل غزة يقابل بدعوات استهجان تحت عنوان عريض هو: "اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع". رغم أن تقديم المساعدة الإنسانية لغزة أو أي بقعة على وجه الأرض هو الذي يصنع الفارق بين التحضر الإنساني وبين سلوك الكائنات في عالم الحيوان.

لكن المعضلة الحقيقية التي تواجه المجتمع المصري في علاقته مع غزة، هو ذلك الغياب الكامل لأي رؤية واضحة فيما يتعلق بملف العلاقات مع الأضلاع الثلاثة لجيران مصر في الشرق وهم: فتح والتي تسيطر على الضفة الغربية، إسرائيل والتي تربطها بمصر معاهدة سلام، حماس والتي تسيطر على قطاع غزة.

وهناك ثلاثة أسئلة لم يستطع أي مسؤول مصر في العهد الجديد، أي منذ تولي الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان محمد مرسي حكم البلاد، أن يقدم إجابات واضحة عليها.

أولاً: ما موقف مصر من فتح؟ والتي كانت ترتبط بعلاقة خاصة مع نظام مبارك وشريك في ترتيبات السلام مع إسرائيل ومتهمة من قبل التيارات الإسلامية الفلسطينية أو العربية بأنها خانت القضية الفلسطينية عندما وافقت على معاهدة أوسلو.

ثانياً: ما موقف مصر من إسرائيل؟ أدبيات الإخوان المسلمين لا تعترف بوجود إسرائيل وتستند إلى إرث من المؤلفات والأعمال الفكرية التي تطالب بتحرير فلسطين واسترجاع الأقصى. لكن هذه الجماعة اليوم هي التي تقود دولة ترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل، وترتهن إرادتها الاقتصادية والسياسية بفكرة عدم العودة إلى حقب الصراع العسكري مع إسرائيل.

ثالثاً: ما موقف مصر من حماس؟ هل يتم التعامل معها باعتبارها الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان، أم أن مصر يمكن لها أن تضغط على حماس من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية والقبول بإجراء انتخابات تشريعية جديدة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

ينبغي هنا قبل الإجابة عن الأسئلة الثلاثة أن نعي النقاط التالية:

١. كل الحديث حول رغبة أهل غزة في ترك القطاع والإقامة في سيناء، هو أقرب إلى النكات السمجة التي لا تضحك أحداً. فقد كان لأهل غزة فرصة قبل حرب ١٩٦٧ عندما كان القطاع تابعاً للإدارة المصرية ولم يحدث ذلك.

٢. مصالح مصر تتضرر بشدة عندما تسمح القاهرة لقوى إقليمية بأن يكون لها نفوذ في غزة، خط دفاع مصر الأول وأحد المجالات الحيوية للأمن القومي. ومن غير المفهوم ألا تتحرك مصر لمنع تزايد نفوذ هذه القوى في غزة.

٣. عندما تجيب مصر على الأسئلة الثلاثة وتستطيع أن ترتب أولوياتها في العلاقة مع إسرائيل وفتح وحماس، سيجعل ذلك إسرائيل تفكر مرتين قبل الإقدام على الهجوم على غزة في المستقبل. فعدم وضوح الرؤية المصرية حول العلاقة مع غزة هو ما يدفع إسرائيل لتجاهل رد الفعل المصري والذي لا يزيد سقفه عن سحب السفير. ولكن هل يصل هذا السقف إلى قطع العلاقات الدبلوماسية أو العودة إلى حقبة الصراع العسكري. بالطبع لا. فالتركة أثقل من أن تسمح للخيال بأن يجمح!


Friday 2 November 2012

المنظومة فيها سلاح ردع.. فيها فيل


الصورة لطائرة إف 16 إسرائيلية من طراز صوفا - المجموعة الخاصة لأحمد زكي
1

ذات ليلة انفجر مصنع في وسط الخرطوم. بعد قليل علمنا أنه مصنع ينتج ذخائر وأن الانفجار على الأرجح نتيجة إهمال. لاحقاً قال السودان أن غارةً إسرائيلية استهدفت المصنع. ككرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت، خرجت علينا صحيفة إنجليزية رصينة، وهي الصاندي تايمز، بتقرير يقول إن الإسرائيليين استهدفوا المصنع ضمن غارة جوية شاركت فيها ثمانية مقاتلات إف 15 متعددة المهام وطائرة تشويش الكتروني وطائرة للتزود بالوقود في الجو ومروحتين للإنقاذ. وإن هذه المقاتلات نجحت في خداع الرادارات المصرية والسعودية والسودانية (إن وجدت) وضربت هدفها، وعادت الى قواعدها سالمة.

2

ما الهدف إذن من هذه الغارة؟ هل حقاً يمتلك السودان ما يستحق أن يقصف؟

في الحقيقة لا يبدو هذا المصنع ذا أهمية تذكر. بل أن كل ما نشر عن أنه مركز متقدم لإيران كي تخزن فيه أسلحة وتنقلها الى غزة، يبدو شبيهاً بروايات رجل المستحيل.

الأمر أبسط من ذلك. هذه الغارة لها هدفان: الأول، وهو معروف للجميع، تدريب على ضرب المنشآت النووية الإيرانية والتي يتطلب ضربها الطيران لمسافة طويلة واختراق رادارات أكثر من دولة.

والهدف الثاني: رسالة الى الجميع وتحديداً الى صانع القرار المصري الجديد. رسالة تقول للرئيس مرسي وأركان دولته: نستطيع أن نصل إلى عمق حديقتكم الخلفية قبل أن يرتد إليك طرفك!

ما فعلته إسرائيل هو تكرار لما فعلته عندما قصفت المفاعل النووي العراقي "تموز" عام 1981، وما فعلته عندما قصفت مقر منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط بتونس عام 1985. وهو تطبيق لأحد ركائز استراتيجية الدفاع عن إسرائيل والتي تعرف باسم "اليد الطولى لإسرائيل".

اسكتش لطائرة أواكس تابعة لحلف الناتو - رسم أحمد زكي

رد الفعل المصري كان مفاجئاً! في البداية نفي أن تكون أية مقاتلات إسرائيلية قد اخترقت الأجواء المصرية. أتبع ذلك النفي اختراق مقاتلات مصرية لحاجز الصوت فوق القاهرة في منتصف الليل.

ثم بدأت لجان "المخبرين والحبايب وجنرالات تويتر وفيسبوك" في النزول بتشكيلة واسعة من الأخبار المنتقاة حول أن هذه "هي المقاتلات المصرية الجديدة المتقدمة التي تستطيع أن تقطع المسافة بين القاهرة والأقصر في 40 ثانية!".. أو ما نقله البعض عن "مصادر عسكرية مطلعة" (على الأغلب زوج خالته، العميد المتقاعد) أن "هذه المناورة المفاجئة تأتي في إطار الاستعداد الدائم والمستمر لقوات الدفاع الجوي ولرفع الاستعداد القتالي والعملياتي لنسورنا".. وسينا رجعت تاني لينا.. ومصر اليوم في عيد..

3

هل تستطيع مصر، إن أرادت، أن تقصف سدوداً في أثيوبيا تهدد أمنها المائي؟

قبل أن تتسرع وتقفز الى الإجابة الدبلوماسية المعتادة التي تقول إن مصر تريد الحفاظ على العلاقات مع الدول الأفريقية بعيداً عن السياسات العدائية، لابد أن أطرح عليك مفهوماً يتم تدريسه في كليات الحرب في الجامعات الغربية وهو مفهوم "الردع".

وفق ما يقومون بتدريسه في محاضرات العلاقات الدولية في قسم دراسات الحرب بجامعة كينجز كوليدج، فإن "الردع" يعتبر أحد الأدوات التي يحقق بها صانع القرار أهدافه، دون اللجوء إلى استخدام القوة. إنه مفهوم يتعامل مع فكرة "هيبتك" التي يشعر بها خصمك. تلك "الهيبة" التي تتكون بفعل قدرتك على ضرب الخصم وإيلامه.

صورة التقطت في إحدى ضواحي لندن - من مجموعة أحمد زكي
4

عبد الناصر (والذي تثير سيرته حساسية لدى صانع القرار المصري) أرسل عام 1968 فريقاً من رجال المخابرات المصرية لتدمير حفار بترول إسرائيلي في خليج أبيدجان بساحل العاج، على بعد آلاف الكيلومترات من القاهرة، وذلك على الرغم من أنه كان خارجاً للتو من هزيمة عسكرية ثقيلة.

هذه "اليد الطولى" للمصريين، والتي تم التخلي عنها بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، هي التي كانت تمنح صانع القرار المصري قدرة على أن يكون له كلمة في وضع قواعد اللعب في المنطقة.

ولا يبدو أن صانع القرار الجديد في قصر القبة مهتماً باستعادة هذه "اليد الطولى". فالغاز المصري يسرق من قبل الإسرائيليين في المياه الإقليمية المصرية، ولا يوجد أي تحرك علني أو سري من قبل السلطات المصرية.

الدولة المصرية مهترئة وقياداتها مهتمة "بتسيير الحال". دولة فشلت في توفير الكهرباء أو الماء لقطاعات واسعة من أبنائها، أو حماية مشجعي فريق كرة من الذبح، هي دولة عاجزة عن التحرك للحفاظ على ثروات الوطن. لكن "المنظومة فيها فعل حقيقي.. فيها دعم.." فيها فيل!

5

يوماً ما سنصحو كلنا على كارثة! هذا سيكون شيئاً جيداً. فالتجارب التاريخية أثبتت أن الشعب المصري يكون في أفضل حالاته عند التعرض لتهديد خارجي. ربما حينها سيندم صانع القرار على كل الفرص التي أتيحت له كي يصنع لمصر مهابة تستحقها.