Monday 7 May 2012

كيف تؤثر الملكية على حرية الصحافة.. نظرة على الإعلام العربي


 
هذه الورقة كتبت من أجل اليوم العالمي للصحافة وقد ألقيتها في العاصمة القطرية الدوحة، تلبية لدعوة من مركز الدوحة لحرية الإعلام في اليوم الأول من شهر مايو عام 2012.



على مدى عقود كان الشخص الأكثر تأثيرا في المؤسسات الصحافية العربية بعد رئيس التحرير، هو الرقيب. كان الرقيب أكثر تأثيرا على محتوى الصحيفة من مالكها. فالرقيب هو ممثل الدولة التي منحت لهذه الصحيفة ترخيصاً بالصدور، وهو الذي يحدد ما يجب على القارئ أن يعرفه وما يجب أن يحجب عنه.

ولم يكن الرقيب هو الأداة الوحيدة التي تسيطر بها الدولة في العالم العربي على الصحف. ففي مرحلة لاحقة ارتبطت المؤسسات الصحافية بجسم الدولة، من خلال الملكية العامة للصحف، كما حدث في مصر في أوائل الستينيات من القرن الماضي.

خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات، كانت الصحافة اللبنانية هي الوحيدة في العالم العربي التي تتمتع بقدر كبير من الحرية. لكن لم يكن ذلك يعني أن الصحافة اللبنانية حرة. ففي تلك الفترة كان يتم تأجير بعض الصحف اللبنانية من قبل الحكومات العربية من أجل شن الحملات العدائية تجاه بعضها البعض. كانت الصحف اللبنانية آنذاك تنقسم الى فريقين رئيسيين: فريق موالي الى مصر وفريق موالي الى السعودية. كانت الحرب الباردة بين الدولتين يمكن تتبعها من خلال عناوين الصحف اللبنانية في تلك الفترة.

في أواخر السبعينيات ومع تغير الأوضاع السياسية في الإقليم، احتاجت المملكة السعودية لصحف يمكن أن تدافع عن مصالحها وتخوض المعارك الإعلامية دون أن تتسبب في حرج  للرياض، ولو بشكل ظاهري. في تلك الفترة تم تأسيس صحيفة الشرق الأوسط في لندن، وبعد ذلك بنحو عقد وتحديدا في عام ١٩٩٠ تم شراء صحيفة الحياة اللبنانية من قبل الأمير خالد بن سلطان وإطلاقها من لندن. وفي أوائل التسعينيات تم إطلق قناة إم بي سي في لندن أيضا، والتي أنجبت في عام ٢٠٠٣ قناة العربية الإخبارية.

عرفت كل هذه الوسائل الإعلامية بأنها الذراع الإعلامي للسياسة الخارجية السعودية. فهذه الصحف والقنوات ليست معنية بالشأن المحلي السعودي بقدر ما هي معنية بالترويج للسياسة السعودية خارجياً والدفاع عنها، وهو ما ظهر في كل الحروب التي اندلعت في منطقة الخليج وكانت السعودية طرفاً فيها سواء عسكرياً أم بدعم أحد الأطراف المتحاربة.

ولم تكن تجربة امتلاك وسائل إعلامية في لندن وباريس قاصرة على المملكة السعودية. فقد كان عراق صدام حسين يقوم بتمويل بعض الصحف والمجلات كما كانت تفعل ليبيا القذافي، بل ومنظمة التحرير الفلسطينية أيضاً.

في عام ١٩٩٦ أطلقت قطر قناة الجزيرة الفضائية الإخبارية والتي أعادت إحياء فكرة القنوات الإخبارية المتخصصة الناطقة بالعربية، بعد فشل تجربة تلفزيون بي بي سي الإخباري الذي بدأ في ١٩٩٤ واستمر لعامين فقط.

وفي العشر سنوات الأولى من الألفية الثانية، أطلقت الولايات المتحدة قناة الحرة، فيما أطلقت بي بي سي العربية قناتها الإخبارية التلفزيونية كما أطلقت فرنسا قناة إخبارية ناطقة بالعربية ولاحقاً امتلأ الفضاء بقنوات ناطقة بالعربية تابعة لروسيا والصين وتركيا وإيران.



هذه بعض الملاحظات المتعلقة بالإعلام الناطق بالعربية فيما يتعلق بحريته، حسب نوع ملكيته:

1. الإعلام المملوك للدولة في العالم العربي يعبر عن توجهات النظام السياسي الحاكم بشكل واضح ومباشر. مثلا كان التلفزيون الحكومي المصري معبراً عن الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، وعندما تم خلع مبارك، أصبح نفس الجهاز ناطقاً باسم المجلس العسكري الحاكم.
 
2. في العالم العربي لا يوجد إعلام لديه استقلالية تمكنه من خدمة المصلحة العامة، بصرف النظر عن اتفاق هذه المصلحة أو اختلافها مع السياسة الرسمية للدولة أو الممول. في بريطانيا هناك تجربة بي بي سي والتي تمول وفق ضريبة تسمى ضريبة التلفزيون، بينما في الولايات المتحدة فهناك قناة PBS التلفزيونية، والمملوكة لـ٣٥٤ قناة تلفزيونية أمريكية مخصصة للخدمة العامة. كما أن هناك راديو NPR والذي يخدم حوالي ٩٠٠ محطة إذاعية عامة في الولايات المتحدة. ولا تعبر قناة PBS أو محطة راديو NPR عن رغبات الحكومة الفيدرالية وإنما يقدمان برامج لخدمة المنفعة العامة، بعيداً عن باقي الشبكات التلفزيونية الأمريكية المملوكة لمؤسسات مالية وصناعية ضخمة. وفي اليابان توجد شبكة قنوات NHK الاذاعية والتلفزيونية والتي لا تعبر عن توجهات الحزب السياسي الحاكم، والتي تمول أيضا من خلال ضريبة تلفزيون، والمعمول بها بالمناسبة في عدد من الدول الأوروبية، وكان معمولا بها خلال الخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات في مصر.

3. بالاضافة الى الاعلام الحكومي، يعتبر القطاع الخاص في العالم العربي هو اللاعب الأهم على الساحة الإعلامية، وهو هنا يتفوق على الإعلام الحزبي والذي يعاني من افتقار الموارد المالية. في مصر تعتبر الصحف الخاصة مثل المصري اليوم والشروق، أذرعاً صحفية هامة لمالكيها. وهي بالرغم من قدر الحرية الكبير الذي تتمتع به، إلا أن لهذه الصحف حسابات تتعلق بعلاقات المالك مع الحكومة أو السلطة.

والأمر ينسحب كذلك على الإعلام التلفزيونية. فكل العاملين في المجال التلفزيوني بمصر لا يزالون يتذكرون "قرصة الودن" التي أهداها نظام الرئيس السابق حسني مبارك الى رجل الأعمال أحمد بهجت عندما ظهر الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل وتحدث عن التوريث وذلك قبل أحد عشر عاماً من انهيار النظام.

وحتى بعد خلع مبارك، تعرضت حرية الصحافة في مصر للكثير من القيود، سواء المباشرة أو غير المباشرة، عبر الضغط على رجال الأعمال من أجل فصل الإعلاميين الذين يتخطون خطوطاً حمراء. ربما المثال الأبرز أيضا ما حدث مع رجل الأعمال أحمد بهجت عندما أجبر على إقالة المذيعة دينا عبد الرحمن بعد حوار لها مع لواء جيش سابق يعمل كمستشار للمجلس العسكري الحاكم.

وهنا نلاحظ أن وظيفة الرقيب في الصحف خلال الفترات السابقة تم استبدالها بالضغط على مالك الوسيلة الإعلامية من أجل التأثير على المحتوى

4. لم يعد التدخل من قبل المالك في المحتوى التحريري للوسيلة الاعلامية التي يمتلكها يقتصر على التعليمات المباشرة، بل يمكن أن يتم ذلك من خلال التحكم في توزيع الميزانية الخاصة بالتغطيات الإخبارية. فمثلا يتم تخصيص موارد أكبر لتغطية الملف السوري من الموارد المخصصة لتغطية الملف الليبي، أو أن يتم تخصيص موارد محدودة لتغطية منطقة جغرافية ما وبالتالي لا تستطيع الوسيلة الإعلامية أن تقوم بخدمة الجمهور من هذه المنطقة أو الذين يريدون معرفة ما يحدث فيها من أخبار.

5. لا يوجد في العالم العربي ما يعرف بأجهزة تنظيم البث الاذاعي والتلفزيوني على غرار جهاز OFCOM الموجود في بريطانيا، والذي يسمح للمشاهدين بتقديم شكواهم مما يشاهدونه أو يسمعونه على الوسائل الاعلامية البريطانية. هذا يعني أنه فيما تسيطر الحكومات ومجموعات رجال الأعمال على وسائل الاعلام، بفعل الملكية، فإن الجمهور لا يستطيع أن يعترض على ما يقدم إليه من مواد إذاعية وتلفزيونية، وأقصى ما يمكن أن يفعله هو أن ينتقل بالريموت الى القنوات التي تمثل الاتجاه السياسي المناقض لاتجاه المحطات التي لا توافق هواه.

 

No comments:

Post a Comment