Tuesday 3 April 2012

أبو الفتوح وتكرار غير مبتكر لناصر في الخمسينيات


تحدث حتى أراك. وقد تحدث المرشح الرئاسي عبد المنعم أبو الفتوح في خطاب انتخابي حاشد، نقلته قناة فضائية لا أستطيع استقبالها سوى عبر الانترنت. ولما كانت الصورة المنقولة غير واضحة فقد اكتفيت بالاستماع إليه. لكني لم أر أبو الفتوح ولكني رأيت عبد الناصر في إحدى خطبه خلال خمسينيات القرن الماضي.

وقد كتبت على الفور إن الرجل بدا من خلال نبرة صوته واختياره للوقفات في خطابه، وحتى في المفردات التي اختارها، نسخة من الزعيم الراحل خلال خطاباته في الخمسينيات. وأن الذي أدهشني أكثر أن تجاوب الجمهور معه كان أيضا شديد الشبه بتجاوب جمهور خطابات عبد الناصر في تلك الفترة!

من قرأوا ما كتبت انشغلوا بمحاولة استنطاقي إذا كان ذلك مدحاً أم ذماً، وهو في الحقيقة لا ذاك ولا ذاك أيضا..

ناصر في الخمسينيات: مرحلة السير وراء الجماهير!

لمعرفة لماذا كان أبو الفتوح في خطابه شديد الشبه بعبد الناصر في الخمسينيات، لا بد من العودة سريعا الى أبرز ملامح سياسات الرئيس المصري الراحل في تلك الفترة.

في عام 1952 وفور نجاح عبد الناصر في انقلابه العسكري، بدا الضابط المصري الشاب براجماتياً للغاية ومنشغلاً بالقضاء على خصومه السياسيين وأولهم زملائه من الضباط الذين قد يشكلون مراكز قوى مناوئة له في المستقبل. كان الرجل أشبه ما يكون بمقاتلة حربية تتبع أهدافها المتعددة وتسعى للقضاء عليها هدفاً تلو الآخر.

في البداية قضى على الأحزاب عبر مفهوم "تطهير الأحزاب" حيث طالبها بتطهير نفسها من أعضائها المتورطين في التحالف مع النظام الذي سقط. وبعد أن أبدت الأحزاب السياسية المصرية انتهازية فريدة من نوعها للبقاء على الساحة وسلمت قوائم بأعضائها الذين تريد استبعادهم من الحياة السياسية، صدر قرار بحل تلك الأحزاب، وتم استثناء جماعة الاخوان المسلمين باعتبارها جمعية أهلية.

هنا بدأت المرحلة الثانية من التصفيات، حيث انخرط تنظيم الضباط الأحرار في صراع على السلطة أدى الى استبعاد اللواء محمد نجيب، والذي بدا ساذجاً للغاية من الناحية السياسية وغير قادر على استيعاب أن الانقلاب العسكري الذي اختاره كواجهة له، أكبر من قدرة اللواء نجيب على السيطرة عليه.



المرحلة الثالثة كانت الأخطر حيث دخل ناصر في صراع مع الإخوان، والذي كان أحد أعضائهم حيث أقسم على الولاء لهم على المصحف والمسدس مع خالد محي الدين، وأنتهى الصراع بانتصاره فيما عرف تاريخياً بأحداث عام 1954. بعض المؤرخين لتلك الفترة يقولون إن الصراع بين ناصر والإخوان كان صراعا داخل نفس التيار. فالرجل له مواقف تثبت أن صراعه معهم كان في إطار انشقاق واسع عنهم بعد أن قدم لهم ضمانات كثيرة من أجل أن يشتركوا معه في انقلابه العسكري. أما هم فقد استغلوا الانقلاب من أجل الوصول الى الحكم بعد أن فشلوا في ذلك خلال الحقبة الملكية وصراعهم المرير مع الوفد وتحديداً حكومات النقراشي (الذي اغتاله الإخوان) وإبراهيم عبد الهادي الذي رد باغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا.

المرحلة الرابعة كانت بالنسبة لناصر هي التفرغ لمعركة الاستقلال الوطني والتي أدت الى حرب 1956 وبروزه كزعيم إقليمي له جماهيرية واسعة. بعد انتصاره السياسي في حرب السويس، تخلى ناصر، كزعيم سياسي، عن جزء كبير من براجماتيته التي عرف بها بين أعوام 1952 و1955 وأصبح أسيراً لرغبات جماهير تقوده الى حيث تريد من أحلام وتطلعات، هو أول من يدرك أنها أكبر من إمكانياتها.

وقد كان من نتائج تحول الرجل، من زعيم يقود والجماهير تسير خلفه الى زعيم يسير خلف الجماهير، الى الكثير من الأزمات السياسية، لعل من أبرزها أزمة الانفصال عن سوريا، وانفراد عبد الحكيم عامر بمهمة تأمين الجيش، وصولا الى هزيمة 1967، حيث تغير في أعقابها ناصر بشكل جذري وتحول الى خليط من رجل الدولة البراجماتي، والسياسي الذي يحاول الاستناد الى قاعدة شعبية واسعة تريد منه استحقاقات محددة وأولها استعادة الأراضي التي احتلت في 1967.

ولعل من أبرز الأمثلة التي تثبت أن ناصر عاد بعد حرب 1967 الى براجماتيته التي تميز بها عندما كان ضابطاً شاباً هو ملف العلاقات مع إسرائيل. فقبل حرب 1956 كان قد قبل أن يوفد أحد مساعديه الى باريس من أجل بحث فكرة إقامة علاقات سلام مع إسرائيل في مقابل تسوية عادلة تستند الى قرارات الأمم المتحدة، ودعم أمريكي لخططه التنموية وأبرزها السد العالي.

بورقيبة وناصر وبن بيلا

وفي عام 1965 وعندما عرض الزعيم التونسي بورقيبة على ناصر فكرة إقامة سلام مع إسرائيل أبدى الزعيم المصري موافقته ولكنه اقترح أن يقوم بورقيبة بعرض ذلك على الجماهير الفلسطينية التي كان ينوي الزعيم التونسي زيارتها في أريحا، فإن قبلوا فسيقوم ناصر بمباركة مبادرة بورقيبة. وكانت النتيجة أن الزعيم التونسي تلقى وابلاً من الشتائم والطماطم وقيل بعض البيض الفاسد.

ولكن في أعقاب حرب 1967 فإن الملك حسين عندما أخبر ناصر بأنه انخرط في محادثات مع واشنطن من أجل التوصل لحل سلمي، فإن الرئيس المصري طلب من العاهل الأردني "أن يقوم بكل ما يستطيع وأن يطرق جميع الأبواب" من أجل استعادة الضفة الغربية. وفي عام 1970 وافق ناصر على مبادرة وزير الخارجية الأمريكية ويليام روجرز التي أسست فيما بعد لطريق السادات نحو القدس ومعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية.

نقاط الالتقاء بين أبو الفتوح وناصر

يلتقي الرجلين في الكثير من الأمور التي يمكن أن تشي بما سيكون عليه أبو الفتوح إن وصل للرئاسة.

نقطة الالتقاء الأولى: ناصر وأبو الفتوح يلتقيان في نقطة الانتماء السابق لجماعة الاخوان، والتي يبدو أنها تركت لدى كليهما آثاراً عميقة.

فالأول لم يكن زعيما اشتراكياً يسارياً كاملاً، بل أن الفكرة الإسلامية كانت حاضرة لديها في أكثر من مشروع سياسي، وأشار إليها في المانفيستو السياسي الخاص به. وبالتالي فمدنية الدولة لديه كانت مرتبطة بالمرجعية الاسلامية. أما صدامه مع الاخوان فكان صراعا على السلطة، شبيهاً بموقفه من الشيوعيين داخل مصر أو على مستوى الإقليم، وبموقفه من البعثيين في سوريا الذين ناصبوه العداء أكثر من عدائهم لإسرائيل!

أما أبو الفتوح، فعلى الرغم من انشقاقه عن الجماعة، إلا أنه سيجد نفسه لاحقاً في موضع الحرج إن وصل الى الرئاسة ووجد أن صراعا قد فرض عليه معها. وربما سيذهب أبو الفتوح في صراعه مع الجماعة الى نقطة اللاعودة، مستنداً في ذلك الى وقائع سابقة في التاريخ الإسلامي!



نقطة الالتقاء الثانية: يلتقي الرجلين في السير وراء الجماهير وتحديداً في فترة حكم ناصر بين عامي 1957 وعام 1967. فأبو الفتوح قدم وعوداً انتخابية لا تستند الى رصيد حقيقي في الواقع، مثل "بناء جيش وطني قوي يستطيع الدفاع عن حدود الوطن وزيادة عدد أفراده بما يتناسب مع حجم مصر وتنويع مصادر تسليحه خارج المنظومة الأمريكية". ولا يوجد لدي أدنى شك بأن أبو الفتوح هو أول من يدرك أن هذا موضوع خارج سلطاته كرئيس، حيث الجيش مسيطرٌ عليه من قبل المجلس العسكري، وتسليحه يخضع لتوازنات إقليمية أرساها الرئيس السادات بعيد مبادرة السلام مع إسرائيل.

نقطة الالتقاء الثالثة: أن الرجلين لديهما تفويض عابر للانتماءات السياسية. فتيارات متعددة عبرت عن تأييدها لمشروع ناصر كسبيل لنيل الاستقلال الوطني، من بينها تيارات ذات صبغات يسارية وإسلامية وقومية. وهو ما تكرر مع أبو الفتوح. لكن الفرق بين الرجلين أن الأول استطاع أن ينال تفويضاً شعبياً واسعاً في لحظة اضطرابات إقليمية كبرى، خالية من الزعامات، فيما الثاني يحاول أن يصل الى الرئاسة في توقيت تبدو فيه اللعبة السياسية وقد استقرت على محاصصة بين المجلس العسكري وجماعة الاخوان.

نقطة الالتقاء الرابعة: لا يختلف المنصف على أن الرجلين يتميزان بطهارة اليد وسلامة القصد والرغبة في خدمة الوطن، ولكن الطريق الى العديد من الكوارث قد يكون مفروشاً بالأخطاء السياسية، التي إن تكررت خلال أقل من نصف قرن تصبح ضرباً من ضروب مسرح العبث!



1 comment: