Tuesday 27 September 2011

تراب الماس: حين تصبح قراءتها فعلاً جانبياً




مازلت مستمتعاً بمرحلة الخروج من العالم الذي رسمه أحمد مراد في روايته المثيرة "تراب الماس: حين يصبح القتل أثراً جانبياً..".

هي رواية مدهشة في تضفيرتها التاريخية وحبكتها التي تعتمد على سلسلة من جرائم القتل، والتي لا تبدو بنفس أهمية الشخصيات المتورطة فيها وفي الطريق إليها.

 هي أيضاً رواية مكتوبة بلغة تخلط بين الفصحى والعامية بالاضافة الى كلمات مشتقة من الحياة في مصر عام ٢٠٠٨!

وبالرغم من أن الرواية كتبت قبل ثورة يناير ٢٠١١ إلا أن الإشارات التي يمكن اعتبارها تنبؤاً بالثورة وما تلاها من صراع مع المجلس العسكري حول الإسراع بتسليم السلطة لسلطة مدنية مذكورة في أكثر من موضع بالرواية، خصوصاً في الصفحات الأولى التي تدور في حارة اليهود في القاهرة عام ١٩٥٤.

ربما لهذا السبب أهدى أحمد مراد روايته للرئيس المصري محمد نجيب "رجل الفرصة الأخيرة"، كما أطلق عليه مراد في إشارة بالطبع الى صراعه حول رجوع الجيش للثكنات بعد استيلائه على الحكم في ٢٣ يوليو ١٩٥٢.

هي رواية يجب أن تقرأ ومن الصعب اختزالها في تدوينة أو مقال أو عرض لملخصٍ لها قد يفسد متعة قرائتها ويظلم حبكاتها المعقودة بعناية فائقة.

هي أيضاً مؤشر إيجابي على أن فن الرواية في مصر قد تطور وأصبح قادراً على تقديم جرعة تشريحية لشخصيات تتنفس وتحيا بيننا كل يوم، ونتمنى لو أننا قادرون على إزالتها من الوجود لولا أن "غلطة صغيرة قد لا تصلح غلطة كبيرة"..!

Friday 16 September 2011

لماذا كان انهيار نظام مبارك نتيجة حتمية لمقدمات منطقية






في عاموده في الاهرام (عدد ١٥ سبتمبر ٢٠١١) انشغل الكاتب الصحفي صلاح منتصر بعرض رسالة لمهندس مشغول بمعرفة المساحة التي يستوعبها ميدان التحرير! وقد جاء في الرسالة انه بتطبيق الأساليب العلمية فإن أقصى ما يستطيع الميدان تحمله بالاضافة الى شوارعه الجانبية هو ١٦٠ ألفاً من البشر.

ومن يدخل الى موقع يوتيوب سيجد مجموعة من الفيديوهات التي تشترك في موسيقى مأخوذة من أفلام الأكشن الامريكية وموضوعها هو كشف "كذب" ما قيل أنه "إجماع شعبي" على رحيل نظام مبارك! 

بالطبع هذه الفيديوهات تشترك في عرضها لمجموعة من صور وائل غنيم وعمر عفيفي وسعد الدين ابراهيم، بالاضافة الى ذكر أسماء شركات ومنظمات مثل فريدوم هاوس وجوجل، ودول مثل صربيا وبولندا وقطر!

لن أتطرق الى تفاصيل هذه الفيديوهات ولن أحاول تفنيدها ولكني على العكس من ذلك سأفترض صحتها..!

ولأني أفترضت صحتها وصحة جميع نظريات المؤامرة التي تفترض أن "أخبث" دول العالم (وهي بولندا وصربيا وقطر وفي إضافة من المفكر الفنان عمرو مصطفى سويسرا) والماسونية العالمية والرأسمالية الصهيونية قد اجتمعوا على هدف تحطيم نظام مبارك فإنه يجب مراعاة القاعدة التالية:

الأنظمة لا تنهار من الخارج وانما الانهيار يبدأ من الداخل.

هذه قاعدة أثبتها التاريخ في أكثر من مناسبة ولنتوقف مع الحالة المصرية والسنوات التالية:

١٩٤٨ : هزم النظام الملكي المصري في حربه الخارجية مع كيان جديد عرف باسم إسرائيل ومع ذلك لم ينهار النظام برغم فداحة الهزيمة العسكرية وذلك لأن ماكينته السياسية كانت قادرة على استيعاب تلك الهزيمة والتعامل معها رغم وجود الاحتلال البريطاني.

١٩٥٢ : مجموعة من الضباط المتوسطي الرتبة استطاعوا قلب نظام الحكم بشكل أدهشهم هم شخصياً! وفي خلال أيام معدودة كانوا قد طردوا رمز النظام الملكي وهو الملك الى خارج البلاد ثم خلال عام أعلنوا تحويل النظام السياسي من الملكي الى الجمهوري وقد تم كل هذا وسط عدم ممانعة من الجماهير واحتفاء بالتخلص من النظام الذي حكمهم لأكثر من مئة وستين عاماً..! فما السبب؟
ببساطة كان السبب هو فشل النظام الملكي في استيعاب الغضب الشعبي أو منح قاعدة أوسع من الناس فرصاً متساوية في العدالة الاجتماعية أو التعليم والصحة (تفشي الأوبئة وظاهرة الحفاء وتركز الملكية الزراعية كانت مؤشرات على أن النظام قد فقد شرعيته الاجتماعية.)

١٩٥٦ : دخل نظام الحكم الجديد في معركة عسكرية غير متكافئة مع ثلاث دول وتلقى هزيمة عسكرية لكنه صمد! بل وارتفعت شعبية رأس النظام ليصبح زعيما اقليمياً له ثقل جماهيري وسياسة خارجية تليق بإمبراطورية لا دولة نامية (وربما كان هذا هو احد اسباب هزيمة ١٩٦٧).
فما السبب في عدم انهيار النظام؟
ببساطة كان السبب هو في التفويض الشعبي الممنوح من الجماهير لرأس النظام في خطوته بتأميم قناة السويس والتي اعتبروها حقاً عاد إليهم بعد أن حفروها بالدم. ومن أجل هذا الإحساس الشعبي كانت الجماهير مستعدة لتلقي هجوم بقنبلة نووية في سبيل الحفاظ على حقهم الذي انتزعوه من فك الامبراطورية البريطانية! لا يمكن إذن وسط هذا الشعور بالكبرياء الوطني أن ينهار النظام حتى وإن بدا غير مستعد عسكرياً!

١٩٦٧ : هزيمة عسكرية فادحة واحتلال لثلث الاراضي المصرية وانكشاف لوهم أن هذا البلد النامي قادر على تغيير مصائر الشعوب في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية في نفس الوقت! تورط عسكري طويل الأمد في اليمن وارتباك في القيادة العسكرية التي لم تكن مؤهلة لخوض حربين في نفس الوقت، بالاضافة الى فشل النظام السياسي في قراءة المؤشرات العديدة التي تظهر أنه لن يسمح له بالتمدد إقليمياً أكثر من هذا.
لكن النظام لم ينهار رغم اعلان رأس النظام عن استقالته وتحمله "المسؤولية كاملة" عن الهزيمة. لما إذن؟
ببساطة لأنه لم يكن هناك سخطاً شعبياً واسعاً على النظام قبل الهزيمة سوى من معارضيه. وبالتالي كانت القراءة الجمعية للهزيمة أن النظام يحتاج تغييرا في اداء ووجوه وسياسات مؤسساته الداخلية والخارجية ولكنه لا يحتاج هدماً له واستبداله بشيء آخر مثل العودة مثلاً الى النظام الملكي.

١٩٧٧ : في يومين فقط كانت المظاهرات قد عمت مصر من الاسكندرية حتى أسوان وتحديداً على بعد كيلومترات قليلة من استراحة الرئيس السادات والذي كان يجري حوارا صحفياً وتسائل عن الدخان الصاعد، فاضطر مستشاروه أن يخبروه بأن المظاهرات قد اجتاحت البلاد شرقاً وغرباً، طولاً وعرضاً، وأن المشاركين فيها ملايين المواطنين (قيل أن الرقم تجاوز ثمانية ملايين شخص) وانهم يحرقون صوره ويرفعون صور سلفه (رغم انتصار السادات وهزيمة ناصر!) ويهتفون مطالبين بعدالة اجتماعية ويركزون هجومهم على رئيس وزرائه "ممدوح بيه" الذي جعل "كيلو اللحمة بستة جنيه!"..
لكن رغم هذا لم يسقط النظام.. فما السبب؟
أن السادات بما عرف عنه من دهاء سياسي وقدرة على المناورة تراجع بسرعة عن القرارات الاقتصادية التي حملت توقيع وزير الاقتصاد الدكتور القيسوني وقتها من اجل امتصاص الغضب الشعبي (رغم انه عاد وطبق هذه السياسات لاحقاً ولكن على مراحل وليس دفعة واحدة). ثم كانت الخطوة التالية للسادات في التعامل مع الأزمة هي فرض حظر قاس للتجول في كل المدن المصرية (قيل انه قتل فيه ما يزيد عن سبعين شخصا). وبسرعة قبل ان تسترد المعارضة أنفاسها كان السادات قد أعلن عن قيام المنابر تمهيداً لحياة حزبية قائمة على أساس نظرية الحنفية! أي أن رئيس الجمهورية يملك القدرة على اغلاق الحنفية عندما يشعر ان الحرية الحزبية بدأت تخرج عن السيطرة (كما فعل السادات في سبتمبر ١٩٨١). ثم بعد أشهر قليلة من انتفاضة يناير كان السادات قد قام بمبادرته للسلام وزار القدس صادماً العالم وإسرائيل وشعبه، الذي للغرابة خرج خمسة ملايين منهم في شوارع القاهرة ليستقبلوه استقبال الأبطال الفاتحين عند عودته!
كل هذا المناخ منع من انهيار النظام رغم أن ذلك العام شهد البداية الفعلية للشقوق التي أدت الى انهيار نظام خلف السادات بعد أكثر من ثلاثة عقود!

٢٠١١ : انهار النظام خلال ١٨ يوماً فقط، بصرف النظر عن أعداد من كانوا في التحرير ومن كانوا في ميادين السويس والإسكندرية، لأن رأس نظام لم يكن يحظ بتفويض شعبي واسع مثل الذي تمتع به ناصر أو دهاء سياسي وقدرة على المناورة مثل تلك التي تمتع بها السادات. بل أنه بسياساته القائمة على رد الفعل والبعد عن المبادرات الداخلية أو الخارجية وبتركه الامور لابنه غير المحنك سياسياً والفاقد للكاريزما والذي فوض بدوره الأمور لحفنة من حاشيته المنفصلة عن الواقع الحياتي لأغلب المصريين، أدى الى أن يشكك الشعب في الشرعية التي أتت به الى الحكم وهي شرعية اشتراكه في حرب أكتوبر! (كان صاحب هذه الفكرة هو الرئيس السادات الذي أراد تبرير قراره الغريب باختيار قائد الطيران نائباً له فقال إنه يريد نقل الشرعية من جيل يوليو الى جيل أكتوبر! رغم أن الشرعيات لا تكتسب بالحروب وإنما بالحصول على الرضا الشعبي من خلال إحداث تغيير اجتماعي واسع.)
 وبالتالي كانت النكتة العميقة والكاشفة لمزاج المصريين من مبارك، هي السخرية من انجازه العسكري الذي احتفى به نظامه على مدى ثلاثين عاماً.. (ياريته كان ضربنا إحنا وراح حكم إسرائيل تلاتين سنة!).

إذن لو اجتمعت كل قوى الارض على تحطيم نظام سياسي فلن يستطيعوا طالما كان النظام قادراً على اكتشاف شروخه وعلاجها.. أما اذا صدق النظام نشرات الاخبار الرسمية وتقارير أجهزة أمنه بالسيطرة على "شوية العيال الشيوعيين والإخوان" فإنه قد استقل طريقاً سريعاً سينتهي حتماً بانهياره دون البحث عن أسماء مثل وائل غنيم وأسماء محفوظ وجوجل وصربيا وقناة الجزيرة وربما لاحقاً مدونة العبد لله! 





Saturday 10 September 2011

اقتحام سفارة، حصار وزارة، وليلة البحث عن قيصر

التاسع من سبتمبر عام ألفين وأحد عشر.. بينما جميع الأعين مصوبة باتجاه نيويورك وواشنطن لرؤية كيف ستتذكر الولايات المتحدة الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر بعد يومين، إذ بالقاهرة تقرر أن بوصلة الشبكات الاخبارية يجب أن تنتقل إليها وتحديدا في موقعين: الأول مقر وزارة الداخلية المصرية، والثاني مقر السفارة الاسرائيلية في الجيزة.



حصار وزارة:

لا يمكن النظر الى ما حصل من حصار لوزارة الداخلية من قبل متظاهرين غاضبين دون النظر الى ما جرى قبل ذلك بيومين عندما اندلعت اشتباكات عنيفة بين أنصار فريق الأهلي المصري (التراس الأهلي) وبين رجال الشرطة والأمن المركزي داخل وحول استاد القاهرة.

كان من الواضح أن وزارة الداخلية لم تستوعب بعد أن ما كان قائما قبل الخامس والعشرين من يناير في مصر لم يعد له وجود الآن، وأن الصلاحيات السلطانية الممنوحة لهم لا يمكن القبول بها من قبل المجتمع، حتى وإن تم اللعب بورقة الاستقرار الأمني.

وتبدو المشكلة في أن القائمين على تسيير الأمور في مصر فشلوا في التوصل الى صيغة جديدة لمفهوم الأمن في مصر. الأمن الذي يحمي الناس ومصالحهم لا أن يستعبدهم ويستغل ظروفا، هو يعلم قبل غيره، أنها طارئة، حتى وإن طالت.

لذا فإن الصدام مع التراس الأهلي كشف عن أن الشرطة في مصر تتعامل مع الغاضبين منها على أنهم "خصوم يجب القضاء على شوكتهم" لا مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات وفق القانون والاعلان الدستوري المعمول به في البلاد. ولم تدرك الشرطة أيضا أنها يجب أن تكون كأي جهاز شرطة في العالم، واقفة على مسافة متساوية من الجميع، وغير متورطة في أي خصومات أو عداوات مع أي فئة في المجتمع.

التراس الأهلي، والذي يمثل جمهورية لها سيادة وولاء اسمها "جمهورية النادي الأهلي"، تعامل مع الشرطة بروح انتقامية، واستطاع أن يكشف عن تنظيم وقدرة على الحشد تثير الدهشة، وتجعل الذاكرة تعود الى الزمن الذي قامت فيه أجهزة الدولة بتشجيع الولاء للنوادي الكروية كبديل عن الولاء للجماعات الاسلامية في ثمانينات القرن الماضي.

كانت المؤشرات كلها تشير الى صدام قادم في 9/9 مع الشرطة وربما حصار لمقر وزارة الداخلية، واختار القائمون على تسيير الأمور في مصر أن يتجنبوا الصدام، لا عن حكمة هبطت عليهم فجأة من السماء، وإنما لأن المطلوب كان امتصاص أي رد فعل غاضب على أحداث استاد القاهرة، ثم استخدام رد الفعل هذا للعودة الى المفهوم الأمني الذي كان سائدا قبل الخامس والعشرين من يناير.

حصار سفارة:

توجهت حشود غاضبة من ميدان التحرير الى مقر السفارة الاسرائيلية في الجيزة وعبرت عن غضبها بأن دمرت السور الذي بني حديثا حول المبنى الذي تقطنه السفارة من أجل توفير حماية إضافية لها.

كان واضحا أن المجلس العسكري والحكومة فشلوا في احتواء الغضب الشعبي من واقعة مقتل ستة جنود مصريين بالقرب من الحدود الدولية بين مصر وإسرائيل.

بل زاد من الغضب الشعبي ما بدا من ارتباك فاضح في اتخاذ موقف واضح يعبر عن الغضب الرسمي من واقعة مقتل الجنود. فبينما بدا الاسرائيليون يحاولون امتصاص غضب رسمي نقله قرار سحب السفير المصري، إذ بالحكومة المصرية ترفع عنهم الحرج وتتراجع عن القرار وتصفه "بمسودة تم تسريبها للإعلام قبل أن يتم اتخاذ قرار". هي حكومة إذن لا تصلح لقيادة جمهورية موز في أمريكا اللاتينية! حكومة بدت في أقل من عدة ساعات أنها لا تستطيع أن تتخذ قرارا وأنها باعترافها مخترقة من وسائل إعلام قادرة على تسريب "مسودات قراراتها"..!

هذا الارتباك أدى الى زيادة الغضب الشعبي الذي لم يجد أمامه سوى التوجه نحو السفارة الاسرائيلية وهدم سور بدا وكأنه "عائق مائي وترابي آخر" يجب عبوره لرفع العلم على "البلكونة" الأخرى!

لكن الوضع تطور ووصل الى اقتحام شقة تابعة للسفارة، تستخدم كأرشيف، ورمي مستندات خاصة بالسفارة في سماء القاهرة، في مشهد بدا أكثر جموحا من خيال أي سينمائي يريد أن يصور الحالة الواقعية للسلام بين مصر وإسرائيل.

الاطراف الرئيسية المشتركة في المسؤولية/التعامل مع الأزمة، كشفت عن أن اقتحام الشقة التابعة للسفارة وما رافق ذلك من أحداث عنف ماراثونية في الشوارع المحيطة بها وأمام مديرية أمن الجيزة، يضر بمسيرة الثورة في مصر ويؤخر أي انتقال مدني للسلطة في مصر.

من يقول غير ذلك هو على الأرجح مازال تحت تأثير "قدر كبير من النشوة" سببه مشاهد عبرت عن المزاج العام لأغلب المصريين من فكرة السلام مع إسرائيل.

لكن من يتأمل في وقائع ما جرى تلك الليلة يجد أن ما حدث يبدو مريبا في توقيته وفي ترتيبه.



الأطراف المشاركة في المسؤولية/التعامل مع الأزمة:

المجلس العسكري والحكومة: من وقائع تلك الليلة فإنه من الواضح أن الأوامر الصادرة للجنود المكلفين بحماية المبنى الموجود به السفارة لم تتضمن أي تعليمات بالتعامل الحازم أو الوقائي مع المحتجين. بل تم ترك المحتجين يهدمون السور المحيط بالمبنى، وهو ما يعبر عن الغضب الشعبي من موقف المجلس من واقعة قتل الجنود المصريين، ومن الرفض الشعبي للعلاقات مع إسرائيل.

لكن الأمور تطورت عندما انسحبت قوات الأمن من أمام مدخل المبنى، وهو ما بدا مريبا لأحد شهود العيان والناشطين، عبد الله شلبي، في شهادته على الأحداث لقناة بي بي سي عربي في موجز أخبار الرابعة والنصف فجرا بتوقيت لندن.

ثم تطورت الأمور أكثر وتم اقتحام الشقة التابعة للسفارة وإلقاء أوراق لا تحمل أي أهمية معلوماتية. أوراق مثل طلب فيزا لزيارة إسرائيل، طلب هبوط طائرة فيها مسؤولين عسكريين إسرائيليين، طلب ترخيص حمل سلاح، وطلبات أخرى لا تكشف سرا أو تفضح اتفاقا!

وما تم لاحقا من المجلس/الحكومة كشف أن هذه هي اللحظة التي ينتظرها دعاة الحلول الأمنية لا الحلول السياسية وبدا ذلك في تفعيل كل بنود قانون الطوارئ وتبرير المحاكمات العسكرية في وقت كانت الحملة فيه قد تصاعدت على مثل هذا النوع من المحاكمات التي تتناقض مع حقوق المواطنين في محاسبتهم أمام قاضيهم الطبيعي.

ومن اللافت أن الارتباك عاد الى القابضين على مفاتيح السلطة في مصر عندما قالت الأهرام في بوابتها الالكترونية فجر يوم العاشر من سبتمبر أن مصادر مطلعة، دون أن تسميها، قد أخبرتها باعتزام عصام شرف تقديم استقالة حكومته، ليعود المجلس ويرفض الاستقالة وفق وسائل الاعلام التي تابعت لعبة البنج بونج المتكررة بين المجلس والحكومة!

قوى الثورة: على الفور سارعت 6 أبريل وصفحة كلنا خالد سعيد بإدانة الاقتحام واعتبر شادي الغزالي حرب في تصريحات تلفزيونية على برنامج بانوراما الاخباري على قناة العربية أن الاقتحام هو مؤامرة من المجلس لعرقلة مسيرة الثورة وتأخير انتقال السلطة الى المدنيين. وكانت 6 أبريل قد اتهمت قوى إسلامية بأنها وراء الاقتحام فيما اتهم شادي الغزالي حرب مندسين تابعين للامن.

وليلة اقتحام الشقة التابعة للسفارة وفي الساعات اللاحقة قام بعض الثوار على تويتر بمهاجمة من أدانوا الاقتحام ووصل الأمر الى حد اتهامهم بأنهم خرجوا عن خط الثورة وأنهم أصبحوا عبئا عليها.

وقبل ذلك كان قد تم شن هجوم عنيف في تويتر على الكاتب والسيناريست بلال فضل لأنه طالب من يحاصرون وزارة الداخلية بالكف عن "الاعتداء اللفظي على أمهات ضباط وجنود الأمن" احتراما "لرقي الثورة وسلميتها ورسالتها". وبدا أن السيادة داخل تلك القوى التي تقول إنها تمثل القلب الحقيقي للثورة، هي للصوت العالي لا المنطق أو العقل أو احترام "الرسالة الحضارية" للثورة المصرية.

وبدلا من النظر جنوبا الى ثورة اليمن، حيث الحكمة يمانية، والى تمسك ثوارها "بسلميتها" رغم الانتشار الكثيف للسلاح هناك، حاول ثوار الصوت العالي النظر غربا نحو ليبيا حيث السلاح والمواجهات الدموية هي التي حسمت مسار الثورة هناك. وكالعادة تم الاقتداء بثورة ليبيا المسلحة دون التمعن في خصوصية الوضع الليبي واختلافه كلية عن الوضع في مصر أو في تونس.

إسرائيل: تعتبر الكلمة التي ألقاها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كاشفة لكيف تعاملت إسرائيل مع الأزمة، بل واستفادت منها.

فقد شكر نتنياهو إدارة الرئيس الأمريكي على تدخلها الفعال من أجل "إنقاذ طاقم السفارة من عواقب وخيمة". ثم شكر "القيادة المصرية على تدخل قواتها الخاصة لإنقاذ طاقم السفارة". ثم شدد على أهمية السلام مع مصر ورغبة إسرائيل في الحفاظ على اتفاقية السلام "لأنها تخدم الشعبين". دون أن ينسى أن يشير الى أن "المنطقة تشهد زلزالا سياسيا عنيفا لم تشهده منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى، وأن إسرائيل تريد وقوف العالم معها خلال هذا الزلزال".

ولم ينس نتنياهو أن يروي مكالمة قائد الأمن الاسرائيلي في السفارة والذي قال لرؤسائه في تل أبيب: "إذا قتلت انقلوا لعائلتي الخبر وجها لوجه لا عبر الهاتف". هنا يقول نتنياهو أنه أخذ السماعة وقال لقائد الأمن: "لا تقلق.. سنفعل كل ما بوسعنا كي نخلصك ونخلص طاقم السفارة من الحصار".

مكالمة نتنياهو كانت مثل فيلم سينمائي فيه كل العناصر المطلوبة للنجاح الجماهيري! قليل من الأكشن وقليل من الدراما وقليل من القيادة وكثير من إظهار "بربرية العدو"..!

 لكن الأهم من الفيلم السينمائي الذي قام بأدائه رئيس الوزراء الاسرائيلي هو التأكيد على الخيارات الاستراتيجية لإسرائيل في المرحلة القادمة: وهي الحفاظ على السلام مع مصر مهما كلف ذلك من ثمن، وترميم العلاقات مع تركيا وامتصاص غضبها، لأن سورية هي مفتاح الفوضى/الاستقرار في المنطقة لعشرين عاما مقبلة على الأقل.

الاسلاميون: ربما هم الأكثر ذكاء على الساحة السياسية في مصر الآن وهم الرابح الأكبر منذ تنحي حسني مبارك عن الحكم. هم يرفضون الصدام مع المجلس العسكري حتى لو كلفهم ذلك جزءا كبيرا من شعبيتهم. في نفس الوقت هم يجيدون لعبة توزيع الادوار. فبعض الأجنحة ترفض أي خطوات قد يتخذها المجلس وتشكل تهديدا سياسيا لهم في المرحلة المقبلة. وهم أيضا يعلنون أن طاعة المجلس هي لمصلحة الأمة والبلاد والعباد.

ويدرك حكماء الاسلاميين ممن حضروا حقبا تاريخية اصطدمت فيها القيادة العسكرية للبلاد مع تياراتهم، أن الصدام مع العسكر قادم لا محالة، ولكن المطلوب هو تأخيره بأي ثمن وخفض الخسائر عندما يقع.

لذلك لم يكن مستغربا إدانة الاخوان المسلمين لما جرى من اقتحام للشقة التابعة للسفارة، وقيام إسلاميون آخرون بتحميل "القوى العلمانية" المسؤولية، بل واتهامهم بأنهم يريدون "هدم الدولة وكيانها" ووصفهم بأنهم "مجموعات من الفوضويين".



البحث عن قيصر:

كل الأطراف المذكورة أعلاه، ما عدا قوى الثورة المشغولة بانقساماتها، ترغب في التوصل الى "قيصر جديد" يكون قادما من المؤسسة العسكرية وقادرا على تحقيق الأهداف التالية:

1. السيطرة على البلاد أمنيا وتنسيق العمل بين سلطاتها المختلفة والحصول على مبايعة وولاء أجهزتها الأمنية المختلفة.

2. القدرة على الوفاء بتعهدات مصر الدولية وتحديدا ما يتعلق باتفاقية السلام مع إسرائيل.

3. أن يكون رمزا لهيبة الدولة ومحافظا على كيانها وشكلها كدولة مركزية تخضع السيطرة فيها للجهة الوحيدة المسموح لها بامتلاك القوة وهي المؤسسة العسكرية.

4. يرغب الاسلاميون في أن يكون لهم نصيب مؤثر في السلطة في المرحلة المقبلة ولا يبدو أنهم يمانعون في اقتسامها مع المجلس العسكري في أي صيغة مستقبلية له.

ومن المستبعد أن يكون "القيصر الجديد" قادما من الأسماء المدنية المطروحة كمرشحين محتملين للرئاسة. فعمرو موسى لن يكون سوى عصام شرف آخر ولكن بدرجة رئيس جمهورية. ومحمد البرادعي يساهم في إضعاف نفسه أكثر من جهود خصومه! وعبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي قد يكونون رؤساء جمهوريات بعد ولايتين رئاسيتين على الأقل.

على مائدة عشاء:

في شهر مايو الماضي جمعتني مائدة عشاء مع مجموعة من الصحفيين القادمين من تسع دول مختلفة حول العالم. كنت المصري الوحيد بينهم. وكان الموضوع المسيطر على الجلسة هو الانبهار والاعجاب الشديد بالثورة المصرية وسلميتها وقدرتها على تغيير نظام قمعي مثل نظام مبارك. فقط زميلة إيرانية لم تبدو منبهرة أو سعيدة وقالت لي: احذروا أن تسرق ثورتكم مثلما سرقت ثورتنا قبل ثلاثين عاما. في تلك الليلة ظننت أنها تشعر بالغيرة من قدرتنا على التغيير وفشل الايرانيين في ذلك. الآن فقط تذكرت واقعة اقتحام السفارة الأمريكية في طهران!


Tuesday 6 September 2011

تاركوفسكي يرحل عن بغداد



لي صديق موسوعي الثقافة بشكل مذهل.. هو للدقة فنان فيه الكثير من الفلسفة وفيلسوف فيه الكثير من الفن ومتبحر عظيم في جميع الفلسفات الحديثة وخصوصا ما انعكس منها في المسرح والشعر والسينما والأوبرا والموسيقى الكلاسيكية!

هذا الصديق هادئ الطبع بشكل غير متصور. صوته منخفض للغاية، حتى أنك تجتهد كي تستمع الى ما يقول! وهو متواضع بشكل أسطوري حتى أنك قد لا تراه أو تقع عينك عليه إذا تصادف ومررت من جانبه.

في أحد الصباحات التي انهيت فيها شيفتا بينما هو يبدأ آخر، ألقيت عليه السلام والتحية وسريعا بدأنا نتحدث عن العصر الذهبي للسينما السوفيتية وقلت له بأنني أعتقد أن أندريه تاركوفسكي لم يكن مخرجا بل فيلسوفا حقيقيا من وزن الفلاسفة الكبار كهيجل ونيتشة، وأنهم إذا كانوا قد اتخذوا من الكلمات أداة لنقل فلسفتهم فإن تاركوفسكي اعتبر الصورة هي أداته في نقل أفكاره الفلسفية..

سرح صديقي فجأة وقال لي: أنا تاركوفسكي.. مأساة تاركوفسكي هي مأساتي..

أنا: مش فاهم!

صديقي: تاركوفسكي عندما خرج من الاتحاد السوفيتي بعد سنوات من المعاناة مع الرقابة والقمع الفكري، ذهب الى ايطاليا حيث احتفوا به بشدة ولكنه بعد فيلمين فقط مات! أنا أيضا منذ أن تركت العراق، وأنا ميت يسير على قدمين! 

حاولت أن أغير الموضوع وأقول إن يوسف شاهين كان له حسا فلسفيا في بعض أفلامه..

صديقي: يوسف شاهين كان صديقا عزيزا.. لي حوارات مطولة معه عن أفلامه وأعماله.. حتى أنه تبناني وعرض علي الخروج من العراق ودراسة السينما، ولكن كان علي أن أنتهي أولا من الخدمة العسكرية.. في إحدى زيارته الى بغداد أخبرني بأنه بعلاقاته مع الفرنسيين حجز لي منحة لدراسة السينما في الاكاديمية الفرنسية للفنون.. في هذا الوقت كنت أراسل مجلة عربية تصدر في باريس، وأرسلوا لي عقدا كي التحق بهم هناك.. كانت لدي وظيفة تنتظري ومنحة من يوسف شاهين لدراسة السينما في فرنسا.. لكن كان علي أن أقبل التكليف الحكومي بوظيفة رسمية ثم أقدم استقالتي منها في نفس اليوم استعدادا للسفر..

سكت صديقي وبدأت عيناه تدمعان ثم رأيت دمعة تنزل بسرعة من عينه اليمنى وهو محدق في الفراغ وكأني لست موجودا، وكأنه يستعيد وقائع هذه الأيام مشهدا مشهد..!

أنا: وايه اللي حصل؟

صديقي: لا شيء! في اليوم الذي كنت فيه في الطريق الى المطار للسفر، لبست الخوذة!

أنا: خوذة ايه؟

صديقي: خوذة الحرب! لقد غزا صدام الكويت واستدعوا الاحتياط وأنا منهم..

خجلت من دموع صديقي وقررت ألا أعلق عليها وأقنعه بأن يكتب حياته كسيناريو فيلم.. قلت له: لازم تكتب حياتك.. دي دراما..

صديقي: لا لن أكتبها ولن أكتب.. منذ أن تركت العراق وأنا أخاف من الورقة البيضاء وأهرب منها.. لي كتاب عن السينما نشر في الثمانينات، وجدت صديقا لي يريني طبعة جديدة منه صدرت في الأردن دون علمي.. لم أغضب ولم أفرح ولم أهتم! لقد مات بالنسبة لي كل شيء تركته في بغداد.. لم يبق لي سوى أن استمع الى تشايكوفسكي وأحرر خبرا عن زلزال في جواتيمالا!

ملحوظة: عمل صديقي مراسلا في عراق ما بعد صدام، ولكن ميليشيات القتل اغتالت عددا من أفراد أسرته وقررت أن يكون هو التالي.. هرب من العراق وعمل مراسلا في السودان ثم صحفيا في لندن.. ولا تزال روحه عالقة في ركن ما في سوق المتنبي للكتب في بغداد!

ملحوظة أخرى: على قبر تاركوفسكي في باريس قطعة رخام مكتوب عليها: الى الرجل الذي رأى الملاك!

Saturday 3 September 2011

البعث في سورية ووقائع ساعته الأخيرة



هذه هي قراءة تحليلية تستند الى مصادر على الأرض ولا تلزم أحدا ولا تعبر عن رأي. يرجى التعامل معها كما يتم التعامل مع مقالات التحليل في مجلة الايكونوميست البريطانية والتي يتم نشرها بدون اسم الصحفي الذي كتبها.



الساعة الأخيرة في حياة نظام البعث في سورية قد بدأت. أربعة عقود من السلطة المطلقة المحصورة في بيت الأسد شارفت على الانتهاء. لكنها لن تنتهي بفعل الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها المدن السورية وإنما بفعل إعادة رسم شاملة للشرق الأوسط، هي الأكبر منذ اتفاق سايكس بيكو في أعقاب الحرب العالمية الأولى. أي منذ مئة عام.

هناك لاعبون رئيسيون ولاعبون فرعيون ولكل مكسبه من إعادة رسم المنطقة.

اللاعبون الرئيسيون: الولايات المتحدة، فرنسا، تركيا


اللاعبون الفرعيون: قطر، السعودية، بريطانيا


المستفيدون/الخاسرون: روسيا، إيران، إسرائيل، لبنان


الولايات المتحدة: وفق المعلومات الاستخباراتية لدى واشنطن فإن النظام السوري لن يصمد أمام الاحتجاجات ومن المهم التحرك بسرعة واحتواء التغيير كي يتم برعايتهم بدلا من التعامل مع المجهول. بالنسبة للتدخل فسيكون عبر مجلس الأمن وفرض عقوبات وصولا الى المشاركة الجوية أو البحرية في الناتو وبالطبع إعطاء الضوء الأخضر لأي عمل عسكري بري.

فرنسا: تشعر فرنسا بالانتصار منذ سقوط القذافي وتعتقد أن قوتها الجوية هي التي حسمت المعركة لأنها هي التي وفرت غطاء جويا للثوار في الوقت الذي انسحبت فيها واشنطن من المشاركة الفعالة في الحملة الجوية وبدأت في الترويج لمبدأ تقسيم ليبيا. وتريد فرنسا خوض معركة تغيير نظام الأسد لأن هذا سيثبت موقعها في الشرق الأوسط وسيعوضها عن تآكل نفوذها في أفريقيا أمام الصين. كما أن السياسة الفرنسية تاريخيا تتأثر "بالتاريخ"، ولهذا فإن لسورية مكانة تاريخية في العقل الاستراتيجي الفرنسي.




تركيا: لم ينتبه الكثيرون إلى أن تركيا شهدت انقلابا في الحكم منذ بضعة أسابيع. فالصيغة الحاكمة في تركيا مبنية على حكومة مدنية يختارها الشعب ومجلس أركان الجيش التركي والذي يعتبر حامي للعلمانية والمحافظ على شكل الدولة الأتاتوركية. وخلال الستة عقود الماضية تدخل مجلس الأركان أكثر من مرة وخلع حكومات أو أقصى أحزابا من الحياة السياسية بدعوى تهديدها لعلمانية الدولة.

منذ أسابيع تم الانقلاب بإعلان رئيس الأركان وأعضاء المجلس استقالاتهم وتدارك الرئيس غول ورئيس الوزراء أردوغان للمخطط بتعيين مجلس أركان بديل موالي للحزب الحاكم وبالتالي السيطرة الكاملة على الجيش لأول مرة منذ وفاة أتاتورك. هذا الموقف هو ما سهل فك الارتباط العسكري مع إسرائيل. (بالمناسبة هذا الانقلاب في تركيا يكاد يتطابق مع حركة عام 1971 في مصر والتي أقصى بها الرئيس السادات رجال الرئيس ناصر عندما قدموا استقالات جماعية ثم أدخلهم السجن بتهمة قلب نظام الحكم).

وأتى الاعلان التركي عن خفض العلاقات مع إسرائيل، لا كرد على اعتداء إسرائيل على السفينة التركية، وإنما لسببين: 1. الاعلان الرسمي عن مولد قوة إقليمية لها حسابات خاصة بها في المنطقة واسمها تركيا العثمانية في شكلها الثاني. هذا المولد سيدعم فكرة تركيا في إقامة علاقات شراكة مع الاتحاد الاوروبي بعد أن أعلن الالمان أن الاتراك لن يدخلوا الاتحاد إلا إذا تم حله! 2. أحد العقول الاستراتيجية للسياسة التركية للمئة عام المقبلة هو وزير الخارجية والأستاذ الجامعي أحمد داوود أوغلو والذي بنى السياسة التركية على أساس الاقتراب من الشعوب العربية وقيادة العالم السني بما يعني ذلك من استثمارات. لكن أوغلو أدرك أن قيادة العالم السني أو المشرق العربي يجب أن تمر بفك ارتباط مع إسرائيل. ولهذا جاءت الخطوة التركية بخفض العلاقات وبزيارة أردوغان للصومال وباحتجاج تركيا على مقتل جنود مصريين.

في إطار الانقلاب المدني على الجيش التركي وفك الارتباط مع إسرائيل يمكن لتركيا أن تتدخل عسكريا في سورية وأن يقابل ذلك بترحيب شعبي سوري وعربي وسيتم الترويج عبر وسائل الاعلام لخطاب سيعتبر التدخل محاولة لحماية أخوة مسلمون لا احتلالا لدولة عربية.



قطر: منذ الأزمة الليبية وقطر تلعب دورا استراتيجيا على الارض بالاضافة الى ذراعها الاعلامي الضارب ممثلا في الجزيرة. فالدعم العسكري اللوجستي في ليبيا قدمه الجيش القطري من خلال طائرتيه للنقل العسكري جلوب ماستر سي 17 والتي تعتبر ضمن الأكبر في العالم وغير موجودة خارج حلف الناتو إلا لدى القوات الجوية القطرية والتي تعتبر من بين الأصغر في العالم! كما شاركت مقاتلات الميراج القطرية في فرض حظر الطيران فوق ليبيا. وعلى الأرض كانت القوات الخاصة القطرية هي أول قوات برية تدخل الى طرابلس والى باب العزيزية تحديدا. والصور الواردة من طرابلس منذ ساعات تظهر علما قطريا كبيرا فوق مقر إقامة القذافي! كما أن شركة البترول القطرية هي التي تتولى الآن بيع النفط الليبي لصالح المجلس الانتقالي. ويبدو أن شركة الاتصالات القطرية كيوتل ستكون في ليبيا قريبا.

وما ينطبق على قطر ينطبق على الامارات وإن بصورة أضيق بسبب عدم وجود ذراع إعلامي مثل الجزيرة.

السعودية: تدرك الرياض أن انهيار النظام السوري بدون إيجاد بديل حليف لها يعني السيناريو العراقي مضروبا في مئة ضعف. والفرصة الآن تبدو ذهبية لإيجاد حكم سني في سورية، موال للرياض، كي يوازن حكما شيعيا في بغداد، موال لإيران.



بريطانيا: تبحث لندن عن الاستثمارات والعقود الطويلة الأمد كي يتعافى اقتصادها المنهك. لكنها تدرك أيضا أنها قد خفضت ميزانية الجيش لديها بشكل لا يمكنه من لعب أي دور عسكري. وبالتالي تقوم استراتيجيتهم على تقديم دعم لدور عسكري فرنسي رئيسي. ولكن الأهم تقديم الغطاء السياسي لأي عمل عسكري أو فرض للعقوبات. تماما كما حدث مع السيناريو الليبي.

روسيا: يدرك الروس أن نظام الأسد بات مهددا واقترب كثيرا من تشكيل عبء عليهم. والمهم في هذه المرحلة بالنسبة لهم هو إيجاد بديل غير معاد لهم وعدم ترك مجال للفوضى الأمنية في سورية، لأن هذا يعتبر خطا أحمر بالنسبة لاستراتيجية الدفاع الروسية في البحر المتوسط..

إيران: أدركت طهران أن نظام الأسد في طريقه الى النهاية الحتمية إن عاجلا أم آجلا، من خلال دعمهم العسكري له. لكنه سيكون دعما مكلفا وقد ينتهي باندلاع الثورة الشعبية لديهم. وبالتالي فإن عدم منع التغيير في سورية عن طريق العمل العسكري سيكون رسالة الى الداخل الإيراني بأن الأسد انهار بسبب تدخل خارجي لا ثورة شعبية كما حدث في مصر وتونس.

إسرائيل: وضعت تل أبيب جميع الخطط والسيناريوهات على الطاولة وهي لا تريد إطالة عمر نظام الأسد بالتورط في حرب معه أو دعم الحركات الاحتجاجية على الأرض ولذا فإنها راغبة في تولي قيادة معتدلة للحكم في سورية، تكون قادرة على التوصل لاتفاق سلام طويل المدى مع فك الارتباط مع حزب الله.



لبنان: هو البلد الوحيد الذي يشاهد ما يحدث في سورية ويدرك أنه خاسر في جميع الحالات! وتبدو السيناريوهات بالنسبة للبنان كارثية وقد تؤدي في النهاية الى انهاء وجوده وضمه الى سورية بموافقة دولية وإسرائيلية.

التحركات على الأرض:

1. الإيرانيون بدأوا في تغيير موقفهم من الاسد ونظامه. امير قطر أبلغهم بأن النظام السوري انتهى وان إكرام الميت دفنه.

بدأ الإيرانيون التغيير بالدعوة الى اجراء إصلاحات عاجلة. هم يدركون الوضع السيء للنظام من خلال مشاهداتهم على الارض. الحرس الثوري ينقل لطهران صورة دقيقة.

وفق ملاحظات الحرس الثوري فإن القيادة السورية لم تستطع تحريك وحدات عسكرية لان جنودها من السنة.

2. محللون سعوديون بدأوا يسربون خططا لتدخل وحدات من درع الجزيرة الى سورية عبر الاردن في نفس الوقت الذي تدخل فيه وحدات تركية من الشمال. (لاحظ انضمام الأردن الى مجلس التعاون الخليجي يعني انضمامه الى درع الجزيرة واستخدام قواعده العسكرية والجوية من قبل قوات الدرع).

هدف الخطة العسكرية والتي ستتم بغطاء جوي من الناتو هو إيجاد مناطق آمنة للمدنيين.

تقول مصادر إن الجيش السوري لن يقاوم باستثناء الحرس الجمهوري والفرقة المدرعة الرابعة.

ستحدث عمليات انشقاق واسعة في الجيش وسينهار النظام بسبب انشقاق مسؤولين في القيادة.

ارتباك الجيش السوري له سابقة تعود الى 1998 عندما هددت تركيا على لسان سليمان ديميرل بغزو سورية بريا إذا لم يتم تسليم الزعيم الكردي عبد الله أوغلان وقد تحرك الرئيس المصري السابق مبارك وأنقذ حافظ الأسد من انهيار نظامه. ووقع السوريون على اتفاق مذل مع الأتراك سمي باتفاق أضنة فيه تخلي نهائي عن لواء الاسكندرون وحق الجيش التركي في التدخل في الأراضي السورية بريا بعمق 15 كيلومترا من أجل مطاردة أعضاء حزب العمال الكردي.



3. الروس أمهلوا الاسد عشرة ايام للتوقف عن العنف والا لن يعرقلوا تصعيدا دوليا في مجلس الأمن.

4. قطر والسعودية بدأتا في حشد غطاء عربي من اجل الذهاب الى مجلس الأمن بعد تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية.

امير قطر لمح الى هذه الخطوات خلال مؤتمره الصحفي في باريس على هامش اجتماع اصدقاء ليبيا، والذي شكر في الناتو على تدخله وانتقد الجامعة العربية على دورها الغير حاسم اتجاه القضية الليبية. بالطبع كان السبب وراء هذا الموقف المرتبك من الجامعة العربية، عمرو موسى الذي انشغل فجأة في مولد الرئاسة الموعودة في مصر، ونبيل العربي الذي وجد نفسه فجأة يقود مؤسسة غير راغب في قيادتها وإنما فرضت عليه نتيجة لحسابات المجلس العسكري المصري.

5. تنتظر القوى الاقليمية والدولية من المعارضة السورية تشكيل مجلس حكم انتقالي على غرار ليبيا. وسيعلن عن تشكيل المجلس في اجتماع برعاية قطرية في الدوحة أو سعودية في الرياض.

جميع الحقوق محفوظة لهذه المدونة ولا يسمح بالنقل أو بالاقتباس إلا بإذن. شكرا.